متى يخسر الأب أبنائه؟

من خلال معايشتى لقصص كثيرة لمشاكل الآباء مع أبنائهم جمعت ستة أسباب تؤدي لخسارة علاقة الأب مع أبنائه، وهذه الأسباب هي : أولها البخل، فعندما يكون الأب الميسور بخيلا علي ابنه ولا يعطيه مصروفا أو يشتري له احتياجاته الأساسية من لباس وأدوات للتعليم وترفيه وغيرها، وبالمقابل يرى الإبن والده يصرف علي نفسه الأمور الضرورية والكمالية باسراف شديد، فينشأ الإبن كارها لوالده معتمدا علي أمه أو جدته بالمصروف أو أحيانا يلجأ للسرقة أو الأخذ من أصدقائه، والسبب الثاني هو: العنف، سواء كان العنف بالكلام من شتم واستهزاء وتهديد وتحقير أو العنف اليدوي من خلال الضرب مما يجعل الإبن يهرب من المكان الذي يتواجد فيه والده، وكم من قصة عشتها لإبناء وبنات هربوا من بيوت آبائهم لهذا السبب، بالإضافة إلي الدمار النفسي لشخصيتهم بسبب كثرة الإهانات والضرب فتكون ثقتهم بأنفسهم مهزوزة ويبتعدون عن الأصدقاء ويميلون للإنطوائية ويعضهم يصاب بأمراض نفسية
والسبب الثالث هو : سوء الأخلاق وخاصة أمام الأبناء فعندما يشاهد الإبن أباه في حالات الإنحراف السلوكي مثل شرب الخمر والسكر أو العلاقات النسائية المحرمة أو لعب القمار أو تعاطي المخدرات أو مشاهدة الأفلام المخلة بالأدب وغيرها من السلوكيات الخاطئة، أو يشاهد عنده انحراف في العقيدة مثل الإلحاد أو التحدث باسلوب سيء عن الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم، والسبب الرابع هو : جفاف المعاملة والكلام فيعامله بطريقة رسمية وكأنه في ثكنة عسكرية، فلا يظهر له العاطفة والحب والشفقة، ولا يشعره بأنه فخور به وأنه قرة عينه، وأذكر بالمناسبة في إحدى المحاضرات سألت الحضور وكلهم كانوا من الرجال، فقلت لهم : متى آخر مرة لمست ابنك ؟ فاستغربوا من السؤال وكان بعضهم ينظر لبعض فأجاب البعض بأنهم لم يلمسون أبنائهم في حياتهم وبعضهم قال في لمست ولدي في العيد الماضي ويقصد من ثلاثة أشهر وواحد أو اثنين قالوا نحن نلمسهم ونلعب معهم دائما، فالعلاقة الجافة مدمرة وتساعد علي بعد الأبناء من آبائهم، والسبب الخامس هو : كثرة انشغال الأب وغيابه عن أبنائه أو بسبب كثرة سفره عنهم، وإذا رجع لبيته ورأى أبنائه لا يعوضهم ولا يجلس معهم ولا يتحدث إليهم أو يلعب معهم، فيكون غائبا في حياتهم أثناء غيابه، وغائبا كذلك أثناء حضوره معهم فهو الأب الحاضر الغايب، فلا يشعر الأبناء في مثل هذه الحالة أي مودة أو محبة منهم تجاه والدهم
والسبب السادس هو : إهانة الأم وسوء معاملتها أمام الأبناء، ففي الغالب يتعاطف الأبناء مع أمهم بسبب ضعفها وقوة علاقتها بهم، فلهذا يخسر الآباء أبنائهم في حالة سوء معاملتهم لأمهم إما بكثرة ضربها أو إهانتها أو العصبية والصراخ عليها أو بعدم الإنفاق عليها، وهم يشاهدون أمهم كيف تتعب من أجلهم وتعمل من أجل أن تصرف عليهم، وأذكر قصة عشتها وهي أن رجل طلق زوجته بعد عشرين سنة من الزواج وطلب من أبنائه الأربعة أن يذهبون معه في البيت الذي يسكن فيه، فلم يذهب معه أحد بسبب مشاهدته سوء معاملة أمهم وصرفها عليهم، وصاروا بعد الطلاق لا يسألون عنه وحتى في المناسبات والأعياد لا يسلمون عليه ولا يذهبون إليه بسبب كراهيتهم له، فهذه ستة أسباب رئيسية تساهم في خسارة الآباء لأبنائهم، وعكسها تماما تزيد من علاقة الآباء بأبنائهم،
وكم من فتاة أعرفها تريد أن تعيش في الحياة من غير زوج بسبب ردة فعلها عما رأته في حياتها من سوء معاملة أبيها لها أو لأمها وأخوانها، فصارت تظن كل الرجال مثل أبوها وعزفت عن الزواج، وهذه من سلبيات ما ذكرنا من تصرف الآباء السيء مع أبنائهم، فالأب ينبغي أن يكون نعمة لا نقمة وأنه مصدر الأمان والحماية للأسرة لا مصدر تهديد وخوف ورعب

@drjasem

د جاسم المطوع

الخبير الإجتماعي والتربوي